
قادمة من الماضي السوري العريق هي الوردة العطرة ذات البتلات المتراصة والمحملة بالعبق واللون الوردي المائل إلى الحمرة... الوردة الشامية تلك النبتة التي تجاوزت حدودها كزهرة لتغدو محصولاً، عُطراً وترياقاً سحرياً أضافته المطابخ الدمشقية إلى تركيبة موائدها، الجميلات إلى تراكيب العناية بالبشرة العطارين لخلطاتهم الطبية... لطالما ارتبطت تلك الوردة بالذاكرة والهوية الدمشقية والسورية، لندرتها وخصائصها المختلفة التي مثلت منذ آلاف السنين الموطن الشامي أو بلاد الشام وتجلت كطقس اجتماعي له خصوصيته الجمالية، ابتداءً بالزراعة والقطاف وليس انتهاء بالتقطير وإعادة الإنتاج كمنتج غذائي، عطري أو دوائي انتشر عالمياً. وانطلاقاً من أهمية الوردة للمجتمع، وحرصاً منّا على صون وتوظيف التراث الثقافي لسورية كقوة إيجابية في تنميتها الاجتماعية وإعادة إحياء مجتمعاتها، ومن المخزون الثقافي والتراثي الغني لدى المجتمع السوري، تعمل الأمانة السورية للتنمية على دعم المجتمع المحلي والتعاون على صون التراث الثقافي المنتمي له عبر برنامج ’التراث الحي‘. تعتبر الوردة الشامية أحد العناصر التراثية الثقافية للمجتمع عامةً ولحاملي التراث بشكل خاص، وجاءت أهميتها مما تحمله من رموز ثقافية واجتماعية تتمثل بممارسات المجتمع التراثية والمنتجات المرتبطة بالوردة، وقيم التعاون المجتمعي التي تجعلها جزءً مهماً من الذاكرة بكافة مراحل زراعتها وقطافها وتحضير منتجاتها من شراب الورد وماء الورد ومربى الورد والمستحضرات الطبية. وارتبطت هذه الممارسات بموسم قطاف الوردة السنوي الذي يتوج بمهرجان يقيمه الممارسون احتفالاً بقدوم موسم القطاف في كل عام واستبشاراً بموسم خيّر. وكان لـ ’التراث الحي‘ بالشراكة مع المجتمع المحلي، دوراً كبيراً بإحياء عنصر الوردة الشامية من خلال التشجيع على زراعة الوردة ودعم الممارسات التراثية المرتبطة بها والمساعدة في إعداد وتنظيم مهرجان قطاف الوردة في قرية المراح في محافظة ريف دمشق، بالإضافة لاستقطاب اهتمام أكبر من الجهات الحكومية والغير حكومية، والإعداد لمشاريع متعلقة بالوردة بالتعاون مع هذه الجهات بهدف حل مشاكل المزارعين كحفر بئر مياه، تزويد المزارعين بشبكة ري بالتنقيط، والعمل على توسيع الأراضي الزراعية مما يدفع عجلة الاقتصاد المحلي والوطني، وتشغيل اليد العاملة وتنشيط الحركة النسائية في الإنجاز وفي المشاركة الحية والفعالة في المجتمع، بهدف صون هذا العنصر ومنعه من الاندثار أو التعرض للخطر. وقد قامت الأمانة السورية للتنمية في عام 2018 بترشيح الوردة الشامية وما يرتبط بها من ممارسات في قرية المراح كعنصر تراثي ليتم مناقشة إدراجها على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني خلال عام 2019 بغية تصدير هذه الثقافة والتجربة السورية واستكمالاً لدورنا في العمل مع المجتمع المحلي لصون العناصر التراثية. كما قامت الأمانة السورية للتنمية بالشراكة مع المجتمع المحلي ومحافظة ريف دمشق، بتسليط الضوء على هذا العنصر الهام انطلاقاً من نجاح تجربة قرية المراح، حيث يأتي المهرجان هذا العام كدعوة من أهالي القرية إلى بقية المناطق التي تعنى أيضاً بزارعة الوردة الشامية كمحافظة حلب والريف الغربي من محافظة حمص ومحافظة القنيطرة بالإضافة لمنطقة سهل الغالب، ليتم نشر هذه القيم الثقافية إلى بقية المجتمعات وتحفيزهم على الارتباط بعناصرهم التراثية التي يمتلكونها والتي تشكل جزءاً مهماً من هويتهم، والعمل على تفعيل دورهم في عرض منتجاتهم وأفكارهم عن الوردة، للعمل وتظافر الجهود للوصول بمشروع الوردة الشامية إلى مستوى وطني عام ومتناسب مع أهميتها ومكانتها.